فصل: من فوائد الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

هذا التحرير لم يكن جائزًا إلا في الغلمان أما الجارية فكانت لا تصلح لذلك لما يصيبها من الحيض، والأذى، ثم إن حنة نذرت مطلقًا إما لأنها بنت الأمر على التقدير، أو لأنها جعلت ذلك النذر وسيلة إلى طلب الذكر. اهـ.

.قال ابن العربي:

فصل في حقيقة النذر:
هُوَ الْتِزَامُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ مِمَّا يَكُونُ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ الْأَعْمَالِ قُرْبَةً.
وَلَا يَلْزَمُ نَذْرُ الْمُبَاحِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى أَبَا إسرائيل قَائِمًا: فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوهُ فَلْيَصُمْ وَلْيَقْعُدْ وَلْيَسْتَظِلَّ»؛ فَأَخْبَرَهُ بِإِتْمَامِ الْعِبَادَةِ وَنَهَاهُ عَنْ فِعْلِ الْمُبَاحِ.
وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ فَهِيَ سَاقِطَةٌ إجْمَاعًا؛ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ الله فَلَا يَعْصِهِ». اهـ.

.قال ابن عادل:

والنذر ما يوجبه الإنسان على نفسه وهذا النوع من النَّذْر كان في بني إسرائيل، ولم يوجَد في شرعنا.
قال ابن العربي: لا خلاف أن امرأة عمرأن لا يتطرق إلى حَمْلِها نذرٌ؛ لكونها حُرَّةٌ، فلو كانت امرأته أَمَة فلا خلاف أن المرء لا يصح له نذر في ولده. وكيفما تصرفت حاله فإنه إن كان الناذرُ عبدًا فلم يتقرر وله في ذلك، وإن كان حُرًّا، فلا يصح أن يكون، مملوكًا له، وكذلك المرأة مثله، فأي وجه للنذر فيه؟ وإنما معناه- والله أعلم- أن المرء إنما يريدُ ولَده للأنس به والتسلّي، والاستنصارِ، فطلبت هذه المرأة أنسًا به، وسُكونًا إليه، فلمَّا مَنَّ الله- تعالى- عليها به نذرَتْ أن حظها من الأنس متروك فيه، وهو على خدمة الله- تعالى- موقوفٌ، وهذا نَذْر الأحرار من الأبرار، وأرادت به مُحَرَّرًا من جهتي رق الدنيا وأشغالها. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {فَتَقَبَّلْ مِنّي أنك أَنتَ السميع العليم}:

.قال الفخر:

التقبل: أخذ الشيء على الرضا، قال الواحدي: وأصله من المقابلة لأنه يقبل بالجزاء، وهذا كلام من لا يريد بما فعله إلا الطلب لرضا الله تعالى والإخلاص في عبادته، ثم قالت {إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم} والمعنى: أنك أنت السميع لتضرعي ودعائي وندائي، العليم بما في ضميري وقلبي ونيتي. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أنه قَالَ: مُخْلَصًا لِلْعِبَادَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَادِمًا لِلْبِيعَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: عَتِيقًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا لِطَاعَةِ الله تعالى.
وَالتَّحْرِيرُ يَنْصَرِفُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْعِتْقُ، مِنْ الْحُرِّيَّةِ.
وَالْآخَرُ: تَحْرِيرُ الْكِتَابِ، وَهُوَ إخْلَاصُهُ مِنْ الْفَسَادِ وَالِاضْطِرَابِ.
وَقوله: {إنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} إذَا أَرَادَتْ مُخْلَصًا لِلْعِبَادَةِ أَنَّهَا تُنْشِئُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَشْغَلُهُ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَإِذَا أَرَادَتْ بِهِ أَنَّهَا تَجْعَلُهُ خَادِمًا لِلْبِيعَةِ أَوْ عَتِيقًا لِطَاعَةِ الله تعالى فَإِنَّ مَعَانِيَ جَمِيعِ ذَلِكَ مُتَقَارِبَةٌ، كَانَ نَذْرًا مِنْ قِبَلِهَا نَذَرَتْهُ لِلَّهِ تعالى بِقَوْلِهَا: نَذَرْته ثُمَّ قَالَتْ: {فَتَقَبَّلْ مِنِّي أنك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وَالنَّذْرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي شَرِيعَتِنَا أيضا بِأَنْ يَنْذِرَ الْإِنْسَانُ أَنْ يُنَشِّئَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى عِبَادَةِ الله وَطَاعَتِهِ، وَأن لا يَشْغَلَهُ بِغَيْرِهِمَا، وَأَنْ يُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ وَعُلُومَ الدِّينِ.
وَجَمِيعُ ذَلِكَ نُذُورٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قُرْبَةً إلَى الله تعالى.
وَقَوْلُهَا: {نَذَرْتُ لَكَ} يَدُلُّ عَلَى أنه يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، وَأَنَّ مَنْ نَذَرَ لِلَّهِ تعالى قُرْبَةً يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهَا.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّذُورَ تَتَعَلَّقُ عَلَى الْأَخْطَارِ وَعَلَى أَوْقَاتٍ مُسْتَقْبَلَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهَا: {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} أَرَادَتْ بِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَبُلُوغِ الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَخْلُصَ لِعِبَادَةِ الله تعالى.
وَيَدُلُّ أيضا عَلَى جَوَازِ النَّذْرِ بِالْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهَا نَذَرَتْهُ وَهِيَ لَا تَدْرِي ذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْأُمِّ ضَرْبًا مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ فِي تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِمْسَاكِهِ وَتَرْبِيَتِهِ، لَوْلَا أَنَّهَا تَمْلِكُ ذَلِكَ لَمَا نَذَرَتْهُ فِي وَلَدِهَا.
وَيَدُلُّ أيضا عَلَى أَنَّ لِلْأُمِّ تَسْمِيَةَ وَلَدِهَا وَتَكُونُ تَسْمِيَةً صَحِيحَةً، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ الْأَبُ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} وَأَثْبَتَ الله تعالى لَوَلَدِهَا هَذَا الِاسْمَ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الألوسي:

قال عليه الرحمة:
{إِذْ قَالَتِ امرأت عمران} تقرير للاصطفاء وبيان لكيفيته، والظرف في حيز النصب على المفعولية بفعل محذوف أي اذكر لهم وقت قولها، وقيل: هو منصوب على الظرفية لما قبله، وهو {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 34] على سبيل التنازل أو السميع ولا يضر الفصل بينهما بالأجنبي لتوسعهم في الظروف، وقيل: هو ظرف لمعنى الاصطفاء المدلول عليه باصطفى المذكور كأنه قيل: واصطفى آل عمران.
{إِذْ قَالَتِ} الخ فكان من عطف الجمل لا المفردات على المفردات ليلزم كون اصطفاء الكل في ذلك الوقت، وامرأة عمران هي حنة بنت فاقوذا كما رواه إسحق بن بشر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، والحاكم عن أبي هريرة وهي جدة عيسى عليه الصلاة والسلام وكان لها أخت اسمها إيشاع تزوجها زكريا عليه الصلاة والسلام هي أم يحيى فعيسى ابن خالة يحيى كما ذكر ذلك غير واحد من الإخباريين ويشكل عليه ماأخرجه الشيخان في حديث المعراج من قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا» وأجاب صاحب التقريب بأن الحديث مخرج على المجاز فإنه كثيرًا ما يطلق الرجل اسم الخالة على بنت خالته لكرامتها عليه، والغرض أن بينهما عليهما الصلاة والسلام هذه الجهة من القرابة وهي جهة الخؤلة، وقيل: كانت إيشاع أخت حنة من الأم وأخت مريم من الأب على أن عمران نكح أولًا أم حنة فولدت له إيشاع ثم نكح حنة بناءًا على حل نكاح الربائب في شريعتهم فولدت مريم فكانت إيشاع أخت مريم من الأب وخالتها من الأم لأنها أخت حنة من الأم، وفيه أنه مخالف لما ذكره محيي السنة من أن إيشاع وحنة بنتا فاقوذا على أنه بعيد لعدم الرواية في الأمرين. أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن حنة امرأة عمران كانت حبست عن الولد والمحيض فبينا هي ذات يوم في ظل شجرة إذ نظرت إلى طير يزق فرخًا له فتحركت نفسها للولد فدعت الله تعالى أن يهب لها ذكرًا فحاضت من ساعتها فلما طهرت أتاها زوجها فلما أيقنت بالولد قالت: لئن نجاني الله تعالى ووضعت ما في بطني لأجعلنه محررًا ولم يكن يحرر في ذلك الزمان إلا الغلمان فقال لها زوجها: أرأيت إن كان ما في بطنك أنثى والأنثى عورة فكيف تصنعين؟ فاغتمت لذلك فقالت عند ذلك: {رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنّي} وهذا في الحقيقة استدعاء للولد الذكر لعدم قبول الأنثى فيكون المعنى رب إني نذرت لك ما في بطني فاجعله ذكرًا على حد أعتق عبدك عني وجعله بعض الأئمة تأكيدًا لنذرها وإخراجًا له عن صورة التعليق إلى هيئة التنجيز واللام من {لَكَ} للتعليل، والمراد لخدمة بيتك والمحرر من لا يعمل للدنيا ولا يتزوج ويتفرغ لعمل الآخرة ويعبد الله تعالى ويكون في خدمة الكنيسة قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال مجاهد: المحرر الخادم للبيعة، وفي رواية عند الخالص الذي لا يخالطه شيء من أمر الدنيا، وقال محمد بن جعفر بن الزبير: أرادت عتيقًا خالصًا لطاعتك لا أصرفه في حوائجي، وعلى كل هو من الحرية وهي ضربان أن لا يجري عليه حكم السبي وأن لا تتملكه الأخلاق الرديئة والرذائل الدنيوية.
وانتصابه على الحالية من ما والعامل فيه {نَذَرْتُ}؛ وقيل: من الضمير الذي في الجار والمجرور، والعامل فيه حينئذ الاستقرار ولا يخفى رجحان الوجه الأول والحال إما مقدرة أو مصاحبة، وجوز أبو حيان أن ينصب على المصدر أي تحريرًا لأنه بمعنى النذر، وتأكيد الجملة للإيذان بوفور الرغبة في مضمونها وتقديم الجار والمجرور لكمال الاعتناء به والتعبير عن الولد بما لإبهام أمره وقصوره عن درجة العقلاء، والتقبل أخذ الشيء على وجه الرضا وأصله المقابلة بالجزاء وتقبل هنا بمعنى اقبل.
{إِنَّكَ أَنتَ السميع} لسائر المسموعات فتسمع دعائي {العليم} بما كان ويكون فتعلم نيتي وهو تعليل لاستدعاء القبول من حيث إن علمه تعالى بصحة نيتها وإخلاصها مستدع لذلك تفضلًا وإحسانًا، وتأكيد الجملة لغرض قوة يقينها بمضمونها وقصر صفتي السمع والعلم عليه تعالى لغرض اختصاص دعائها وانقطاع حبل رجائها عما عداه سبحانه بالكلية مبالغة في الضراعة والابتهال قاله شيخ الإسلام وتقديم صفة السمع لأن متعلقاتها وإن كانت غير متناهية إلا أنها ليست كمتعلقات صفة العلم في الكثرة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي أنك أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
وعندما تقرأ {إذ} فلتعلم أنها ظرف ويُقدر لها في اللغة اذكر، ويقال إذ جئتك أي اذكر أني جئتك.
وعندما يقول الحق: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} فبعض الناس من أهل الفتح والفهم يرون أن الحق سبحانه سميع عليم وقت أن قالت امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي}، وهم يحاولون أن يربطوا هذه الآية بما جاء قبلها، بأن الله سميع وعليم. ونقف عند قول امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}.
إننا عندما نسمع كلمة {مُحَرَّرًا} فمعناها أنه غير مملوك لأحد فإذا قلنا: حررت العبد يعني ينصرف دون قيد عليه. أو حررت الكتاب أصلحت ما فيه. إن تحرير أي أمر، هو إصلاح ما فيه من فساد أو إطلاقه من أي ارتباط أو قيد. أما قولها: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} هو مناجاة لله، فما الدافع إلى هذه المناجاة لله؟
إن امرأة عمران موجودة في بيئة ترى الناس تعتز بأولادها، وأولاد الناس- كما نعلم- يحكمون حركة الناس، والناس تحكم حركة أولادهم، ويكد الناس من أجل أن يكون الأبناء عزوة، وقرة عين، ويتقدم المجتمع بذلك التواصل المادي، ولم تعجب امرأة عمران بذلك، لقد أرادت ما في بطنها محررا من كل ذلك، إنها تريده محررا منها، وهي محررة منه. وهذا يعني أنها ترغب في أن يكون ما في بطنها غير مرتبط بشيء أو بحب أو برعاية.
لماذا؟ لأن الإنسان مهما وصل إلى مرتبة اليقين، فإن المسائل التي تتصل بالناس وبه، تمر عليه، وتشغله، لذلك أرادت امرأة عمران أن يكون ما في بطنها محررا من كل ذلك، وقد يقال: إن امرأة عمران إنما تتحكم بهذا النذر في ذات إنسانية كذاتها، ونرد على ذلك بما يلي:
لقد كانوا قديما عندما ينذرون ابنا للبيت المقدس فهذا النذر يستمر ما دامت لهم الولاية عليه، ويظل كما أرادوا إلى أن يبلغ سن الرشد، وعند بلوغ سن الرشد فإن للابن أن يختار بين أن يظل كما أراد والداه أو أن يحيا حياته كما يريد.
إن بلوغ سن الرشد هو اعتراف بذاتية الإنسان في اتخاذ القرار المناسب لحياته. كانت امرأة عمرأن لا تريد مما في بطنها أن يكون قرة عين، أو أن يكون معها، إنها تريده محررا لخدمة البيت المقدس، وكان يستلزم ذلك في التصور البشري أن يكون المولود ذكرا؛ لأن الذي كان يقوم بخدمة البيت هم الذكران.
ونحن نعرف أن كلمة الولد يطلق أيضا على البنت، ولكن الاستعمال الشائع، هو أن يطلق الناس كلمة ولد على الذكر.
لكن معنى الولد لغويا هو المولود سواء أكان ذكرا أم أنثى. وعندما نسمع كلمة نذر فلنفهم أنها أمر أريد به الطاعة فوق تكليف المكلف من جنس ما كلّفه به الله.
إن الله قد فرض علينا خمس صلوات، فإذا نذر إنسان أن يصلي عددا من الركعات فوق ذلك، فإن الإنسأن يكون قد ألزم نفسه بأمر أكثر مما ألزمه به الله، وهو من جنس ما كلف الله وهو الصلاة. والله قد فرض صيام شهر رمضان، فإذا ما نذر إنسان أن يصوم يومي الاثنين والخميس أو صيام شهرين فالإنسان حر، ولكنه يختار نذرا من جنس ما فرض الله من تكاليف، وهو الصيام. والله فرض زكاة قدرها باثنين ونصف بالمائة، ولكن الإنسان قد ينذر فوق ذلك، كمقدار عشرة بالمائة أو حتى خمسين بالمائة.
إن الإنسان حر، ولكنه يختار نذرا من جنس ما فرض الله من تكاليف، إن النذر هو زيادة عما كلف المكلف من جنس ما كلف سبحانه. وكلمة {نذرت} من ضمن معانيها هو أن امرأة عمران سيدة تقية وورعة ولم تكن مجبرة على النذر، ولكنها فعلت ذلك، وهو أمر زائد من أجل خدمة بيت الله.
والنذر كما نعلم يعبر عن عشق العبد لتكاليف الله، فيلزم نفسه بالكثير من بعضها. ودعت امرأة عمران الله من بعد ذلك بقبول ذلك النذر فقالت: {فتقبل مني}. والتقبل هو أخذ الشيء برضا، لأنك قد تأخذ بكره، أو تأخذ على مضض، أما أن تتقبل فذلك يعني الأخذ بقبول وبرضا. واستجابة لهذا الدعاء جاء قول الحق: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} [آل عمران: 37].
ونلاحظ أن امرأة عمران قالت في أول ما قالت: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي أنك أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، ولم تقل: يا الله وهذا لنعلم أن الرب هو المتولى التربية، فساعة ينادي ربي فالمفهوم فيها التربية. وساعة يُنادي بالله فالمفهوم فيها التكليف. إن الله نداء للمعبود الذي يطاع فيما يكلف به، أما {رب} فهو المتولي التربية.
قالت امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي أنك أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. هذا هو الدعاء، وهكذا كانت الاستجابة: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} وبعد ذلك تكلم الحق عن الأشياء التي تكون من جهة التربية.
{وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}. كل ذلك متعلق بالتربية وبالربوبية، فساعة نادت امرأة عمران عرفت كيف تنادي ونذرت ما في بطنها. وبعد ذلك جاء الجواب من جنس ما دعت بقمة القبول وهو الأخذ برضا.
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ}.
فالحسن هنا هو زيادة في الرضا، لأن كلمة قبول تعطينا معنى الأخذ بالرضا، وكلمة حسن توضح أن هناك زيادة في الرضا، وذلك مما يدل على أن الله قد أخذ ما قدمته امرأة عمران برضا، وبشيء حسن، وهذا دليل على أن الناس ستلمح في تربيتها شيئا فوق الرضا، أنه ليس قبولا عاديا، أنه قبول حسن.
{وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}. مما يدل على أن امرأة عمران كانت تقصد حين نذرت ما في بطنها، ألا تربي ما في بطنها إلى العمر الذي يستطيع فيه المولود أن يخدم في بيت الله. ولكنها نذرت ما في بطنها من اللحظة الأولى للميلاد. إنها لن تتنعم بالمولود، ولذلك قال الحق: {وكفلها زكريا}، وزكريا هو زوج خالة السيدة مريم. وبعد دعاء امرأة عمران، يجيء القول الحكيم: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى}. اهـ.